أبعاد نفسية عميقة: رحلة الفقدان النفسية وما بعدها
تتجاوز تجربة الموت مجرد حزن مؤقت. فقدان شخص عزيز هو حدث مُحطّم يُحدث تغيّرات عميقة في النفس، قد تمتدّ آثارها لفترات طويلة، وتؤدي إلى اضطرابات نفسية مختلفة. فهم هذه الأبعاد النفسية للوفاة أمر بالغ الأهمية للتعامل معها بشكل صحيّ والشفاء منها.
ما وراء الحزن: مراحل الفقدان
يُعرف الحزن كأحد ردود الفعل الطبيعية على الموت، إلا أنه يختلف من شخص لآخر في شدته ومدته. لا يُعتبر الحزن مرضاً، بل هو عملية طبيعية يمرّ بها الإنسان. ومع ذلك، قد تتطور مشاعر الحزن إلى اضطرابات نفسية أكثر تعقيداً.
عادةً ما يمرّ الفرد بمراحل مختلفة خلال عملية الحزن، وتتضمن هذه المراحل:
- إنكار: صعوبة تصديق حقيقة الوفاة.
- غضب: الشعور بالغضب تجاه الميت، أو الذات، أو القدر.
- مساومة: محاولة التفاوض مع القدر أو الذات العليا لتغيير الوضع.
- اكتئاب: الحزن الشديد، وفقدان الاهتمام بالحياة.
- قبول: التصالح مع حقيقة الوفاة والبدء في بناء حياة جديدة.
ولكن، ليس بالضرورة أن يمرّ جميع الأفراد بهذه المراحل بنفس الترتيب أو بنفس الشدة. بعض الأفراد قد يعانون من أعراض حادة لفترة طويلة، وقد لا يصلون إلى مرحلة القبول أبداً.
الاضطرابات النفسية الناتجة عن الوفاة:
في بعض الحالات، قد تتجاوز ردود الفعل على الموت نطاق الحزن الطبيعي، وتتطور إلى اضطرابات نفسية أكثر خطورة، منها:
- الاكتئاب: الشعور بالحزن الشديد والاستمرار لفترة طويلة، مع فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية وفقدان الشهية، واضطرابات النوم.
- القلق: الشعور بالتوتر والقلق المستمرين، والخوف من المستقبل، وصعوبة التركيز.
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): قد يُصاب الفرد بهذا الاضطراب إذا كان الوفاة نتيجة حدث صادم، مثل حادث أو جريمة. يشمل هذا الاضطراب الكوابيس، والذكريات المؤلمة، وتجنب الأماكن أو الأشخاص الذين يُذكّرونه بالحدث.
- اضطرابات الأكل: قد تؤدي الوفاة إلى اضطرابات في الأكل، مثل فقدان الشهية العصبي أو فرط الأكل العاطفي.
متى يجب طلب المساعدة؟
من المهم طلب المساعدة النفسية إذا استمرت أعراض الحزن لفترة طويلة، أو إذا كانت شديدة لدرجة أنها تُعيق الحياة اليومية. علامات الحاجة إلى المساعدة تشمل:
- استمرار الحزن لفترة تزيد عن ستة أشهر.
- صعوبة في أداء المهام اليومية، مثل العمل أو الدراسة أو العناية بالأطفال.
- أفكار انتحارية.
- سلوكيات تُهدد الصحة، مثل تعاطي المخدرات أو الكحول.
طرق التعامل مع الفقدان:
هناك العديد من الطرق للتعامل مع الفقدان والشفاء منه، وتشمل:
- البحث عن الدعم الاجتماعي: التحدث مع الأصدقاء والعائلة، والانضمام إلى مجموعات دعم.
- العلاج النفسي: استشارة أخصائي نفسي لتعلم آليات التأقلم والتعامل مع المشاعر.
- ممارسة الرياضة: تساعد الرياضة على تخفيف التوتر والقلق.
- الاهتمام بالنفس: النوم الكافي، وتناول طعام صحي، وممارسة هوايات.
- التذكر بطريقة صحية: احتفال بذكرى المتوفى بطريقة صحية وبناءة، بدلاً من العيش في أحزان الماضي.
يُعدّ فهم الأبعاد النفسية للوفاة خطوةً أساسيةً في رحلة التعافي. طلب المساعدة ليس علامة ضعف، بل هو دليل على القوة والشجاعة في مواجهة ألم الفقدان. مع الدعم المناسب والعلاج، يمكن للفرد التعامل مع حزنه والعودة إلى حياة طبيعية.